في غياب الرقابة وتحت غطاء الصمت: شبكات الغذاء رفعت الأسعار دون أن يلاحظ أحد
في الوقت الذي ينتظر فيه المستهلكون في إسرائيل بلهفة الجمعة السوداء والعروض المتوقعة التي ستغمر الشبكات التجارية، تكشف معطيات دراسة جديدة صادرة عن المعهد لأبحاث تجارة التجزئة صورة أقل تفاؤلاً. فخلال الفترة الممتدة بين أعياد تشري وموسم العروض – حين لا توجد أعياد ولا تخفيضات موسمية استثنائية – سُجلت زيادة متوسطة بنحو 11.4% في أسعار أكثر المنتجات شيوعًا في سلة مشتريات الأسر الإسرائيلية.
تحليل الأسعار
فقد فحصت الدراسة الأسعار المتوسطة لعشرات المنتجات الرائدة في سبتمبر 2025 مقارنة بأسعارها في مطلع نوفمبر، وكشفت ليس فقط من قام بخفض الأسعار أو رفعها، بل أيضًا غياب الانسجام بين الشبكات والطريقة التي تتجلى بها “الفخامة الجديدة” للعلامات التجارية التي تغلغلت بعمق في جيب المستهلك الإسرائيلي.
سلة المستهلك: ليست فقط غلاء المعيشة بل أيضًا تحوّل ثقافي
قام البحث بتحليل عشرات البنود من أكثر العلامات التجارية المحبوبة والمنتشرة في إسرائيل – منتجات الألبان، والأطعمة الجافة، ومواد التنظيف، ومستحضرات العناية، والمشروبات، والمنتجات المجمدة وغيرها. وهذه منتجات موجودة تقريبًا في كل بيت، وغالبيتها علامات تجارية رائدة رسخت نفسها رموزًا للجودة والولاء الاستهلاكي.
الصورة الناشئة واضحة تمامًا: المستهلك يدفع أكثر تقريبًا مقابل كل منتج ثانٍ، حتى عندما لا يوجد مبرر موسمي لذلك. بلغت نسبة الارتفاع المتوسط نحو 11.4%، لكن خلف هذا المتوسط تختبئ درامات حقيقية – منتجات على الرف ارتفعت أسعارها بعشرات النسب المئوية، وأخرى انخفضت أسعارها، ربما تمهيدًا لموسم العروض القريب.
في صدارة الارتفاعات
تتربع على رأس قائمة الزيادات طحينية بركة 100% سمسم (500 غرام) التي قفز سعرها في شبكة “شوفرسال ديل” من متوسط 6.47 شيكل في سبتمبر إلى 16.3 شيكل في مطلع نوفمبر – زيادة تفوق 150%. تليها مباشرة مرهم الشوكولاتة “هشاحر هاعولِه” (750 غرام) الذي ارتفع في شبكة “أوشير عاد” بنحو 88%، ثم كريم الشوكولاتة (500 غرام) الذي ارتفع بأكثر من 50%.
كما طالت الزيادات منتجات غير غذائية: شامبو “بينوك” (700 مل) ارتفع بنحو 49%، ومايونيز “هيلمانز” (394 غرام) بنحو 42%. بعبارة أخرى – ليست فقط المنتجات الغذائية الأساسية هي التي ارتفعت، بل أيضًا منتجات العناية والتنظيف التي يشعر بغلائها كل بيت.
ولاء المستهلكين يشجع على رفع الأسعار
القاسم المشترك بين هذه المنتجات هو الولاء الاستهلاكي العالي؛ إذ يواصل المستهلكون شراءها في كل الأحوال، ولذلك لا يتردد المصنعون والشبكات في رفع الأسعار وهم على يقين بأن المستهلك سيواصل الشراء. إنها ظاهرة معروفة تمت دراستها مرارًا في إطار أبحاث السلوك الاستهلاكي، وتُظهر كيف يتغلب قوة العادة والعلامة التجارية أحيانًا على عامل السعر.
من كبح الارتفاع؟ شبكات تحافظ على الإنصاف
إلى جانب الارتفاعات، سُجلت أيضًا حالات قليلة من انخفاض الأسعار، خصوصًا في الشبكات التي تحاول الحفاظ على صورة “المدافعة عن المستهلك”. فعلى سبيل المثال، انخفض سعر ألواح “نيتشر فالي” بنحو 47% في شبكة “كارفور هيبر”، كما انخفض صدر الدجاج الطازج بنحو 15%.
كما تراجعت أسعار بيرة “غولدستار” (ست عبوات)، وقهوة “تيسترز تشويس”، وحليب الأطفال “ماتيرنا – المرحلة الثانية” ببضعة في المئة، خصوصًا في الشبكات التي تستهدف جمهور العائلات والمؤسسات. ويُشار إلى أن بعض هذه الانخفاضات قد تكون مؤقتة – ضمن حملات جذب الزبائن – لكنها رغم ذلك تعكس منافسة موضعية محدودة.
بوجه عام، تمكنت شبكات مثل “يوحنانوف” و**“يش حسيد”** من الحفاظ على استقرار نسبي. فبرغم تسجيل زيادات طفيفة في بعض المنتجات، إلا أن السلة الإجمالية بقيت أكثر توازنًا مقارنة بشبكات ارتفعت فيها أسعار بعض المنتجات بعشرات النقاط المئوية.
بين الصورة والسعر: شوفرسال وكارفور في الواجهة
الشبكتان الأكبر في إسرائيل، “شوفرسال” و**“كارفور”**، تجسدان تعقيد سوق الأغذية المحلي: من جهة تتنافسان على الأسعار، ومن جهة أخرى تبثان إحساسًا بالجودة والعلامة التجارية والثقة.
في الأرقام، سُجلت “شوفرسال ديل” كالأعلى في وتيرة الارتفاعات غير العادية، جزئيًا بسبب عدد من المنتجات مرتفعة الثمن. بالمقابل، أظهرت “كارفور هيبر” زيادات وتخفيضات في آن واحد، ما خلق مظهرًا ثنائي القطب: فمن جهة، ارتفعت أسعار بعض المنتجات الأساسية مثل الطحينية والمراهم، ومن جهة أخرى، انخفضت أسعار منتجات الفخامة والعلامات المستوردة.
النتيجة: من يصرّ على سلة استهلاك ثابتة من علامات معينة سيدفع أكثر، بينما من يُغيّر عاداته الشرائية ويجرب بدائل ومنتجات خاصة بالشبكات يمكنه خفض كلفة سلة المشتريات بشكل ملحوظ.
عندما تنتصر العلامات التجارية على المنافسة
من أبرز خلاصات الفحص قوة العلامات التجارية القديمة: “مرهم هشاحر”، “هيلمانز”، “نوتيلا”، “سنفروست”، و“بينوك” ما زالت تتصدر تفضيلات المستهلكين حتى مع ارتفاع أسعارها. فهذه علامات بنت خلال عقود ثقة راسخة مع المستهلك، ولذا حتى عندما يظهر منافس أرخص، يفضل الكثيرون دفع الفرق.
هذه الظاهرة تُبرز أن سوق الأغذية في إسرائيل لا يُدار فقط وفق تنافس سعري، بل أيضًا وفق تنافس عاطفي. فالمستهلك الإسرائيلي يبحث عن شعور بالأمان، وطعم مألوف، ومصداقية – وغالبًا ما تكون هذه العوامل أهم من التوفير. ومع ذلك، يُلاحظ في السنوات الأخيرة تغير تدريجي: مزيد من المستهلكين يعتمدون على العلامات الخاصة بالشبكات، خصوصًا في الفئات التي لا يوجد فيها فرق فعلي في الجودة.
فقدان الثقة والارتباك السعري
تأتي نتائج المقارنة في فترة حساسة. فبعد شهور من ارتفاع الأسعار في كل المجالات – من الضرائب إلى السكن والمواد الغذائية – يجد الجمهور صعوبة في تتبع موجات الغلاء المتكررة. لذا يُشعر كل تغيير بسيط كأنه ضربة قوية.
لكن وراء الأرقام، هناك شعور بالتآكل: يشعر كثير من المستهلكين أنهم لم يعودوا يعرفون ما هو “السعر العادل”. فالمنتج الذي بيع أمس بـ6 شواكل قد يُباع اليوم بـ10، وغدًا “يُعرض” بـ8، ما يخلق بلبلة تُضعف إحساس القيمة وتؤدي إلى فقدان الثقة في السوق كله.
مفارقة العروض: “تخفيضات” ليست حقيقية
أُجري الفحص قبل فترة العروض الخاصة بشهر نوفمبر – الأسابيع التي اعتاد فيها الجمهور على توقع تخفيضات كبيرة. لكن هنا يكمن التناقض: فالشبكات ترفع الأسعار في الشهر السابق ثم “تُخفضها” خلال العروض. بمعنى آخر، ليست تخفيضات حقيقية، بل إعادة الأسعار إلى مستوياتها السابقة.
تُعرف هذه الظاهرة في الأبحاث التسويقية باسم “التثبيت النفسي” (Anchoring)، وهي تصف حالة يعتبر فيها المستهلك السعر المرتفع نقطة مرجعية، فيرى التخفيض “فرصة”، بينما في الحقيقة هي استراتيجية تسويقية تهدف لجعل المستهلك يشعر بأنه ربح – رغم أنه لم يوفر شيئًا.
عندما “تتنافس” الشبكات – لكن جميعها تتجه صعودًا
يبدو ظاهريًا أن شبكات التسويق تتنافس على كل شيكل، وتُكثر من ترديد شعار “أرخص سعر في إسرائيل”. لكن نظرة عميقة إلى المعطيات تكشف صورة مختلفة: حتى عندما تُظهر الشبكات فروقات محددة أو “حروب أسعار” دعائية، فإنها في النهاية تتوحد على خط واحد – وغالبًا نحو الأعلى.
هذا السلوك يخلق هرمية وهمية تُظهر شبكة كأنها “أرخص من الأخرى”، لكن في الواقع حتى الأرخص لم تعد رخيصة حقًا. فالقيم تتقارب إلى مستوى سعري أعلى مع الحفاظ على هوامش ربح ثابتة تقريبًا. بعبارة أخرى، هي منافسة على الصورة، لا على القيمة الحقيقية للمستهلك.
المستهلك يظن أن هناك “حرب أسعار”، لكن الدراسة تُظهر أنه خلف الكواليس تتصرف الشبكات بحذر متشابه: لا واحدة منها ترغب فعليًا في كسر السوق؛ فجميعها تتكيف مع بعضها البعض، وفي النهاية يدفع الجمهور الثمن.
الثقة تُمنح لمن يحافظ على الثبات
إلى جانب موجة الارتفاعات، يشير بحث المعهد أيضًا إلى وجود شبكات تحافظ على استقرار نسبي طويل الأمد، مما يمنحها ثقة جماهيرية عالية. هذه الشبكات قد لا تكون الأرخص دومًا، لكنها تقدم مستوى شفافية وتسعير منصف؛ فالمستهلك يعرف ما يتوقعه ولا يشعر بأنه يُخدع.
على سبيل المثال، شبكة “يش حسيد”، التي تخدم أساسًا الجمهور الديني والحريدي، نجحت في الحفاظ على تسعير ثابت نسبيًا للمنتجات الأساسية. وكذلك شبكة “يوحنانوف”، التي تُعد من أسرع الشبكات نموًا في السنوات الأخيرة، تواصل اتباع سياسة تسعير مسؤولة وبث الثقة تجاه المستهلك.
نظرة إلى المستقبل
تفيد معطيات المعهد أنه إذا استمرت الموجة الحالية، فإن سلة المشتريات المتوسطة في إسرائيل مرشحة للارتفاع بنحو 3% إضافية حتى نهاية العام، حتى من دون زيادة الضرائب أو تكاليف الإنتاج. بعبارة أخرى، المستهلك يدفع أكثر – فقط لأن السوق يسمح بذلك.
ويؤكد المعهد أن طريق التغيير تمر عبر الشفافية في الأسعار، ونشر مقارنات علنية، وتعزيز الرقابة على الإعلانات التي تروج لـ“عروض” لا تعكس خصمًا حقيقيًا. وبالتوازي، يُطلب تثقيف استهلاكي مستمر يساعد الأسر على تمييز أين يمكن فعلاً التوفير، وأي المنتجات لا يُنصح بالتنازل عن جودتها.
إن مقارنة الأسعار بين شهري سبتمبر ونوفمبر 2025، التي أجراها المعهد لأبحاث تجارة التجزئة، تُبرز مدى حساسية السوق المحلي وتقلبه وأحيانًا إرباكه. كما تُظهر أن المستهلك الإسرائيلي ما زال يفضل العلامات التجارية والاستقرار على التغيير والمغامرة – حتى عندما يعني ذلك دفع المزيد.
لكن في عصر تصاعد غلاء المعيشة، ربما حان الوقت لتغيير المفهوم السائد: أن ندرك أن القوة الحقيقية بيد المستهلك، في قدرته على الاختيار المختلف، والمقارنة، والمطالبة بالإنصاف.
فبين الجمعة السوداء والروتين، بين العلامات اللامعة والسلال المليئة بالمنتجات، تبقى سؤال واحد مفتوحًا:
هل سنواصل الدفع دون أن نسأل – أم سنبدأ الشراء بذكاء حقًا؟
المصدر: معاريف
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو rwaqmedia@gmail.com حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)



