هل سينهار الجيش؟ رئيس الأركان زامير لنتنياهو والائتلاف: أوهامكم السياسية تدمر الجيش

في تطور نادر للغاية بتاريخ الحروب الإسرائيلية، نشب خلاف عميق وفوري في زمن الحرب بين الحكومة والجيش حول إدارة المعارك الجارية. هذا الانقسام يعكس أزمة ثقة حادة، إذ بات من الواضح أن الحكومة، التي تتهرب منذ أكثر من عام من تحمل المسؤولية عن اتخاذ قرارات سياسية حاسمة، توظف الحرب بشكل ساخر لخدمة مصالحها السياسية التي تتعارض بشكل تام مع الأهداف التي أعلنتها بنفسها لهذه الحرب.
رئيس الأركان الجديد، زامير، وجد نفسه منذ تسلمه المنصب عالقًا في مأزق صعب. فهو يشعر بالحاجة لتبرير تعيينه وكسب ثقة الحكومة، فأطلق عملية “مركبات جدعون”، كنسخة محسنة من حرب “السيوف الحديدية”، بهدف تكثيف الضغط العسكري لتحقيق نفس الأهداف السابقة، لكن بأمل أن تتجاوب الحكومة هذه المرة وتتخذ القرارات المطلوبة. لكن، كما يبدو، الآمال لا تشكّل خطة عمل. الحكومة ظلت كما هي، بثقافة بقائها السياسي دون تغيير، وزامير يكتشف الآن أنه يقف في ذات النقطة التي انهار عندها سلفه، الذي أُقيل بهدف تحميله المسؤولية عن كارثة السابع من أكتوبر، رغم أن سبب الإقالة الحقيقي كان معارضته استمرار الحرب بلا جدوى.
زامير بات يواجه المفترق ذاته: إما أن يواجه الواقع الذي أُوكل إليه إدارته، وإما أن يواصل التعايش مع أوهام كاذبة تروّج لها الحكومة منذ أكثر من عام، وعلى رأسها “أسطورة النصر” الخالية من تحقيق الحسم ضد حماس أو استعادة الأسرى.
في جوهر الأزمة، لا تسعى الحكومة لتحقيق أهداف الحرب، بل تسعى فقط لاستمرار الحرب بحد ذاتها. زامير وصل إلى لحظة القرار ذاتها التي وصلها سلفه. لم يحدث قط أن اتهم رئيس وزراء العدو بفشل تحقيق أهداف الحرب التي هو نفسه حددها. ومع أنه رئيس ضعيف، لماذا الاعتراف الصريح بالفشل؟ بعد قرابة عامين من الحرب، بدلاً من أن تزحف حماس إلينا طالبة وقف إطلاق النار، نحن من نزحف إليها متهمينها بعدم الاستسلام للضغط العسكري وعدم إعادة الأسرى. فهل يُتوقع أن ترأف بنا؟ أين المنطق في أن تسيطر إسرائيل على غزة ولديها القدرة على إسقاط حكم حماس، لكنها تختار تمكينه من جديد بدافع الضعف السياسي لرئيس الوزراء؟
هكذا يبدو وضع زامير: عالق مع رئيس وزراء مشلول، يخشى أكثر من بتسلئيل سموتريتش، الذي يدفع نحو احتلال غزة وضمها ويهدد بإسقاط الحكومة. رئيس الوزراء يفضل الصمت والتقاعس عن اتخاذ أي قرار، حتى وإن واصل الجيش تآكله، وسقط مزيد من الجنود، وحتى إن مات الأسرى، ولا تهمه عزلة إسرائيل المتزايدة دوليًا. هذا التآكل ينهش كل ما تبقى من تماسك الدولة.
التبرير بأن حماس، رغم تضررها الشديد، تمنع الصفقة، في حين أن من يمنعها فعليًا هو الحكومة نفسها، يمنح حماس انتصارًا سياسيًا ضخمًا. هذه هي المعضلة الكبرى أمام رئيس الأركان، لا التكتيك الحربي ضد حماس. فمع استمرار القتال، لا تتراجع فعالية الجيش فحسب، بل تتدهور بسرعة. شن مناورات موسعة ضد قوات حرب عصابات، كمن يشن حربًا ضد البعوض بدلًا من تجفيف المستنقع.
التكلفة الفادحة للحرب من حيث الإصابات، والإنهاك المتواصل للجنود، والمهام المعقدة كحماية توزيع الغذاء وتهجير المدنيين، تهدد الجيش وقياداته وجنوده بشكل خطير. وكل هذا، قبل السماح لصحفيين أجانب بدخول القطاع، حيث من المرجح أن تلاحق مشاهد الكارثة صورة إسرائيل لسنوات طويلة.
الانتصارات تُحسم في الساحة السياسية، لا العسكرية. وظيفة الحرب هي خلق شروط النصر السياسي، أما هروب الحكومة الإسرائيلية من الساحة السياسية إلى حروب جانبية فاشلة سلفًا، كـ”حرب التجويع”، فقد حوّل إسرائيل من طرف مبادر إلى طرف مهزوم ومدافع.
أما حماس، فقد انتقلت منذ مدة من ساحة القتال إلى الساحة السياسية الدولية، مستغلة غياب إسرائيل عنها تمامًا. وهي تطمح إلى هزيمتنا هناك عبر استثمار كل خطأ نرتكبه، وتحقق ذلك بفضل الشلل السياسي الذي يعيشه نتنياهو.
رئيس الأركان يدرك جيدًا أنه مجرد أداة في اللعبة السياسية للائتلاف، وسيُحمّل كامل مسؤولية الفشل السياسي. وزراء اليمين بدأوا فعلًا بالتنصل من المسؤولية، يلقون اللوم عليه وعلى الجيش لعدم “تحقيق النصر”، أي لعدم استمرار الحرب التي تخدم مصالحهم السياسية.
الرافعة المتاحة لرئيس الأركان الآن: “المجاملات” للقيادة السياسية انتهت. لحظة الحقيقة حانت. عليه الآن الاصطدام مباشرة بالقيادة السياسية المتعطشة للحرب والمنفصلة عن الواقع، والمطالبة علنًا بإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية، أو أن يصدروا له أوامر صريحة لتغيير أهداف الحرب نحو احتلال غزة وتأسيس حكم عسكري، وتحمل المسؤولية عن مصير الأسرى – وبالتالي، تكريس ثمن فادح ستدفعه إسرائيل لعقود قادمة.
الحقيقة أن زامير يقف في موقع قوي جدًا. فقد اختارته هذه الحكومة خصيصًا لإصلاح الفشل. منح القيادة السياسية فرصة لتمديد الحرب، واستنزف كل ما لدى الجيش من أدوات للضغط على حماس، وحقق إنجازًا كبيرًا ضد إيران. والآن، يحتاج إلى قرار.
في ظل ضعف نتنياهو في استطلاعات الرأي وضغط سموتريتش عليه، فهذه مشكلتهم. على عكس سلفه، الذي تحمّل مسؤولية كارثة 7 أكتوبر، زامير يستطيع أن يقلب الطاولة دون حساب، وليس مضطرًا لمواصلة حرب عبثية. وإن أراد أحدهم إقالته – فليفعل. بل سيكون من الأفضل له أن يخرج للشعب ويشرح أن من فشل ليست المؤسسة العسكرية، بل الحكومة، وأن ثمن الفشل سيدفعه شعب إسرائيل بأكمله.
المشكلة عند نتنياهو، سواء أخطأ في تعيين زامير، أو أن طريقه فشلت بعد أن أخبره رئيسا أركان على التوالي بالحقيقة ذاتها. رغم أن إقالة محتملة قد لا تُقلق نتنياهو، إلا أن في ظل الأزمة الحالية قد تؤدي هذه الخطوة إلى انهيار الجيش، الذي يعاني أصلًا من أزمات عميقة، بينها تراجع دافعية عدد كبير من الضباط.
الآن، يبدو أنه لا يمكن تكرار خدعة نتنياهو السابقة حين أجهض صفقة في مارس. كما أن خيار التوصل إلى صفقة شاملة لوقف الحرب وإعادة جميع الأسرى قد فات أوانه، خاصة مع شعور حماس أنها على وشك تحقيق دولة فلسطينية. وإذا ما أُعلن ذلك، فإنها تكون قد ربحت الحرب بالكامل، وستكون إسرائيل قد قدّمت لها النصر السياسي على طبق من ذهب.
أما محاولة الحكومة الإسرائيلية، عبر زيارة مقتضبة لوفيتكوف لموقع توزيع الطعام ونفيه وجود مجاعة، فلن تُقنع أحدًا في العالم، ولن توقف الزخم العالمي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية الشهر المقبل.
لذا، ما تبقّى من خيارات لإسرائيل هو “الرصاصة الأخيرة” في جعبتها: المبادرة المصرية. وهي صفقة سياسية قد تتيح تحرير الأسرى وإقصاء حماس من السلطة في غزة. لكن فرص موافقة نتنياهو على ذلك – في ظل وضعه السياسي الراهن وخوفه من انتخابات مبكرة – ضئيلة جدًا. ربما، فقط ربما، يستفيق ترامب ويفرض بنفسه نهاية الحرب.
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو rwaqmedia@gmail.com حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)