آخر الأخبارمحلية

صرخةٌ في قلب الصمت (1)

كتب: مهران محاميد أبو الأمير

في لحظةٍ من القلق والوجوم، أسمع نبض الزمن يتراجع في صدورنا، وأرى أيادينا ترتعش في ظلمة لقاءاتٍ كثيرة. يشعر القلب كما لو كان غاصًا في أحشاء صمتٍ طويلٍ، يختنق بالأحلام المهجورة. نتذكر أن هذه الكلمات، يومًا، كانت تصدح في المكان، لكن صدى الحناجر خفوت وصمت.

تتكرر ذات المشاهد في ساحة الإحتجاجات وإجتماعاتنا العامة: وجوهٌ شاحبة، وعباراتٌ متكررةٌ لا تخرج عن حدود الخطب المألوفة. نئنُّ من هدْر الوقت وسط جموعٍ تعاقبت على الكلمة، وكأننا نسير في حلقةٍ مفرغةٍ، نُعيد ذات الشعارات ونشدُّ على أحلامنا خيوطًا ضبابية. تُبدِّد الآمال بعد كل لقاء، ويعود الجميع أدراجهم كالغرباء، بل أكثر غرباء، وقد أطبقت حولنا جدرانُ العجز الساكن.

في كل مظاهرة أو منصة خطابية، نرى طيف الكلمات الرنانة وهو يذوب كسرابٍ في الصحراء. يرفع المتكلم صوته عاليًا، وتملأ عباراته الأفقَ نخوةً ووفاءً، لكنها سرعان ما تتبدد دون أثر& نسمعها لا أكثر كصدى بعيدٍ يختفي مع آخر هتاف. لقد إعتدنا “النبرة الحماسية” دون محتوى جديد، حتى صرنا نعيش وفق نصٍّ مكتوبٍ مسبقًا، خارجيًّا عن جراح اللحظة التي فينا.

وفي قلب هذا الركود، يبرز المسؤولون في مدينتي نموذجٌ للحراسةٌ لافتٌ في مدينة نتانيا بفخر. بدل أن يكون النموذج للبلدة العربية كفر قاسم لكن الحسابات والخلافات التي خلف الكواليس بل اليوم باتت علنية منعتهم من ذكر ذلك نموذج، فهو حرسٌ مدنيٌ ناجحٌ كُلف بإرساء بعض الأمن والأمان في جميع الأحياء.
لكن خطاباتنا ظلت مشهدًا يسعى إلى تطعيم جراحنا بجسرٍ من يقظةٍ مؤقتة وتضحيات، فيتساءل العقل: هل تكفي هذه الخطوات المتقطعة بالإكتفاء منذ عشرات الأعوام بالخطاب الرنانة الزائفة والإجتماعات التي يشملها تضييفات وضحكٌ علينا كشعب لسد الهوة بيننا وبين مخاوفنا؟ هل سيُذيب هذا الخطاب وتلك المظاهرة عقدَةَ الصمت التي تشدّنا بين دفءِ يقظته وأحلامنا العالقة؟

نختم بدعوةٍ وجدانية خافتة قوية: هل تبقى القلوب ساكنةً تنتظر الحلَّ السحري؟ أم نعترف برعشةٍ في الوعي لنقول إنَّ الفعل الحقيقي لن ينبع من وهج هذه الوعود ولا من صدى الكلمات الرنانة فحسب؟ لقد شبعنا حدادًا على زمنٍ ماضٍ فينا، وإذا كان للأمل أن يهمس بيننا فهو في أن نكسر دائرة العجز بإعادة نبض الحياة إلى أول خطوةٍ نخطوها، بدلاً من أن نبقى رهائنَ في غرفةٍ من صنعِ الصمت.

أخوكم بالله مهران محاميد أبو الأمير
يتبع

من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو rwaqmedia@gmail.com حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)

بصائر الخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *