آخر الأخبارمقال ورأي

“غزة من منظور جندري”

بقلم: الأستاذ توفيق محمد

“غزة من منظور جندري : نضال النساء الفلسطينيات من اجل البقاء والمقاومة والصمود”  ” تدعوكم فيمينيا والتحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الانسان في جنوب غرب آسيا وشمال افريقيا للمشاركة في ندوة عبر الانترنت يشارك فيها عدد من النسويات الفلسطينيات والمدافعات عن حقوق الإنسان لمناقشة تقاطع الإبادة الجماعية في غزة مع واقع الاحتلال والهيمنة الأبوية وكيف تتجلى المقاومة النسوية في مواجهة هذه البنُى”

   الكلام أعلاه كان دعوة لحضور الندوة أعلاه على الزوم قبل أن يتم الإعلان عن تأجيل الندوة نتيجة الانتقادات الشديدة التي واجهوها، وكانت الدعوة قد تضمنت أسماء خمس مشاركات من جمعيات فلسطينية نسوية هي وفق ما تم نشره : جمعية نساء ضد العنف، المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديموقراطية (مفتاح)، مركز دراسات المرأة، مركز الإرشاد النفسي والاجتماعي للمرأة، ومدافعة فلسطينية عن حقوق الانسان.

   في قراءة لتعريف “مفتاح” عن نفسها في موقعها على الانترنت نجد تحت بند أجندة المرأة الأمن والسلام ما يلي :” تعمل مفتاح على حماية المرأة ومشاركتها، تماشيا مع قرار مجلس الأمن رقم 1325 و التوصيات العامة 30 32 و35 من اتفاقية “سيداو”.
ونجد تحت بند حماية النساء من العنف ما يلي :” تعمل مفتاح على تعزيز المساواة والإنصاف بين الجنسين بما في ذلك الحماية من العنف المبني على النوع الاجتماعي في إطار السياسات من خلال ….”
ولدى قراءة البند 1325 من اتفاقية “سيداو” سيئة الذكر نجد ما يلي:

   ” وقد حث هذا القرار كلا من مجلس الأمن والأمين العام والدول الأعضاء وجميع الأطراف الأخرى لأخذ التدابير اللازمة في المسائل المتعلقة بمشاركة المرأة في عمليات صنع القرار والعمليات السلمية، والأخذ بدمج النوع الاجتماعي في التدريب وحفظ السلم، وحماية المرأة إضافة إلى إدماج النوع الاجتماعي في جميع أنظمة تقارير الأمم المتحدة وآليات تنفيذ البرامج.” ونجد ما يلي أيضا:
“زيادة مشاركة المرأة في جميع مستويات صنع القرار وفي عمليات حل الصراعات والمشاركة بقوات حفظ السلام وفي المفاوضات.
” القدرة الاستيعابية لقضايا الجندر لدى العاملين في عمليات حفظ السلام والتدريب عليها.

تناول قضايا الجندر في أوقات السلام وتسريح الجيش وإعادة الإدماج.”

أحاول كما غيري فهم الجملة التالية التي وردت في الدعوة أعلاه وهي :” تقاطع الإبادة الجماعية في غزة مع واقع الاحتلال والهيمنة الأبوية، وكيف تتجلى المقاومة النسوية في مواجهة هذه البنُى”، ولكن محاولتنا تذهب أدراج الرياح، ولذلك نتمنى على الداعين لهذه الندوة والمشاركين بها أن يوضحوا لنا ماذا يعني مصطلح الهيمنة الأبوية عموما؟ وكيف يمكن ربطها في تجلي المقاومة النسوية في مواجهة هذه البُنى بعيدا عن صف الكلام واجترار مفاهيم منظرة الجندر الفرنسية سيمون دي بوفورا، كما ونتمنى عليهم أن يُوضحوا لنا ماذا يقصدون بعنوان:”غزة من منظور جندري”.

    سنتان من الإبادة والقتل تعرضت خلالهما غزة للإبادة اليومية التي لم تفرق بين رجل، وامرأة، وطفل، وشيخ، وشاب، سنتان كان الاحتلال الإسرائيلي يلقي خلالهما مختلف أنواع الصواريخ، والقنابل الأمريكية والأوروبية على كل مظهر من مظاهر الحياة، وعلى كل ما قد يشكل مظهرا من مظاهر الحياة، سنتان شهدت خلالهما غزة وأهل غزة، القتل بالتجويع، والقتل بالنار والقنابل والصواريخ والأسلحة الأوروبية والأمريكية والإسرائيلية طبعا، سنتان لم نسمع خلالهما أصوات الجمعيات النسوية يدافعن عن نساء غزة اللاتي فقدن عائلات كاملة، آباء، وازواجا، وأبناء، وإخوة، خضن تلك المعركة لوحدهن، منهن من استشهدت وغادرت هذا العالم المنافق الكاذب بصمت، ومنهن من ودعت أعزاءها من الأزواج والآباء والإخوان والأبناء (أصحاب السلطة الأبوية!!) بصمت ونهضت كاللبؤة تبني مجتمعها ووطنها من جديد تحمل أرثها الأبوي، يضيء لها معالم الطريق نحو غد مشرق.

   لم يتوقف الدعم الأوروبي، ولا الدعم الأمريكي لآلة الحرب الإسرائيلية طيلة سنتين خلتا، كما لم يتوقف هذا الدعم للنسويين والنسويات وللجمعيات النسوية المختلفة وللجمعيات الأخرى التي تحقق أهداف من يدفع بشكل أو آخر، وكيف ذلك؟

   بداية دعونا نفهم ماذا تعني كلمة “الجندر” خاصة وأن الندوة تأتي تحت عنوان “غزة من مفهوم جندري”، ومن أجل ذلك نقتبس بعضا مما جاء في كتاب المرأة المسلمة والتحديات الغربية للدكتور صالح الرقب: [فقد بدأ استخدام لفظ (جندر) Gender في مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عام ١٩٩٤، وهو لفظ غامض لم يحدد المؤتمرون معنىً دقيقاً له على طريقة دعاة العولمة الذين يمررون أفكارهم في مجتمعات المسلمين على صورة مصطلحات غير واضحة، فتنطلي على السذج. والراصدون لما يدخله أعداء الأمة المسلمة على دينها وثقافتها لهدم كيانها وخصوصيتها، يرون أن (الجندر) ليست مجرد كلمة، وإنما هي منظومة فلسفية متكاملة من القيم الغريبة على مجتمعنا الإسلامي، تهدف إلى إلغاء كافة الفروق بين الرجل والمرأة، والتعامل مع البشر على أنهم نوع من المخلوقات المتساوية في كل شيء من الخصائص والمقومات، وهذا النوع الإنساني في مقابل الحيوان والنبات.

   فالداعون إلى (الجندر) يعتبرون أن الفوارق التشريحية والفوارق بين وظائف الأعضاء والهرمونات بين الرجل والمرأة لم تعد ذات قيمة، وأنه يمكن تخطيها واعتبارها غير مؤثرة!! فهؤلاء لا يدعون إلى مجرد المساواة بين الرجل والمرأة، بل يدعون إلى إلغاء الفروق بينهما وعدم اعتبارها، بل واستغناء كل منهما عن الآخر، فلا تكامل بين الرجل والمرأة، ولا افتقار لأحدهما إلى الآخر لا في الجانب الاقتصادي ولا الاجتماعي ولا الجنسي، فالمرأة وفق هذا المفهوم تستطيع أن تقضي وطرها مع امرأة مثلها، والرجل يستطيع أن يقضي وطره مع رجل مثله.

    والحقيقة أن هذه الدعوة تهدف أول ما تهدف إلى هدم الكيان الأسري وتدمير المجتمع، وإحياء الفكر الماركسي، فهي تلتقي مع الفلسفة الماركسية في أمرين:

   الأول: فيما يتعلق بمفهوم الصراع، فأصحاب نظرية (الجندر) يؤكدون على وجود صراع بين الرجل والمرأة، ويكرسون ذلك الصراع ويؤججون ناره، ويفترضون وجود معركة بينهما!!
الأمر الثاني الذي تلتقي فيه هذه النظرية مع الماركسية هو الدعوة إلى هدم الأسرة باعتبارها في نظر ماركس ـ إلى جانب الدين ـ هي أهم المعوقات التي تقف أمام تطور المجتمعات.. ويضاف إلى ما سبق أن من أهم الأفكار التي ينادي بها (الجندر) التشكيك بصحة الدين الإسلامي عن طريق بث الشبهات مثل : إن الدين الإسلامي سبب في عدم المساواة بين الرجل والمرأة في أمور عدة؛ كالقوامة والميراث ونقصان شهادة المرأة، وتعدد الزوجات، وعدم تعدد الأزواج، والحجاب حتى قضايا مثل ذكورة لفظ الجلالة، وإشارة القرآن إلى ضمير المذكر أكثر من ضمير المؤنث، لم تسلم من سموم (الجندر)، وقد بدأ مصطلح (الجندر) وتطبيقاته بالتغلغل في الدول العربية بداية التسعينيات مع تزايد نفوذ مؤسسات التمويل الأجنبي ولجان المرأة ومؤسسات الأمم المتحدة.

    وعبر الاتفاقيات الصادرة عن المؤتمرات الدولية، وهذه الآلية الدولية فيها طابع من الإلزام للحكومات العربية والإسلامية، بما وقعت عليه من اتفاقيات قد يتبع عدم تنفيذها ضغوط سياسية واقتصادية، أو إغراءات اقتصادية وسياسية. وقد شكلت مقررات مؤتمر بكين أساساً عملياً للسير في هذا الإتجاه، وكان بمثابة إشارة واضحة لكل الدول بحكوماتها ومنظماتها المدنية للعمل على تعزيز المساواة الاجتماعية بين الرجل والمرأة. ويسعى(الجندريون والجندريات)- إن صح التعبير – فيما يسعون إليه، إلى إلغاء دور الأسرة من المجتمع المسلم وإلغاء دور الأب وإلغاء دور الأم ورفض الزواج ويدعون إلى ملكية المرأة لجسدها، وهي دعوة صريحة للإباحية، ورفض الإنجاب وإباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي، وصدق من قال إن (الجندر) ما هو إلا مطية الشذوذ الجنسي. ومما ينادي به ويروج له (الجندريون والجندريات) الأفكار الخطيرة التالية:

   أولاً: رفض أن اختلاف الذكر والأنثى راجع لصنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه ) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) سورة النجم الآيتان ٤٥-٤٦.

  ثانياً: فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها.

  ثالثاً: الاعتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب لإدراج حقوق الشواذ من زواج المثليين وتكوين أسر غير نمطية، والحصول على أبناء بالتبني ضمن حقوق الإنسان.

  رابعاً: العمل على إضعاف الأسرة الشرعية التي هي لبنة بناء المجتمع السليم المترابط، ومحضن التربية الصالحة، ومركز القوة الروحية، ومفخرة الشعوب المسلمة في عصر الانحطاط المادي.
خامساً: إذكاء روح العداء بين الجنسين، وكأنهما متناقضان متنافران، ويكفي لتأييد هذا الاتجاه مراجعة أوراق المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء – اليمن،  فقد كان مما جاء فيه الاعتراض على كثرة وجود اسم الإشارة للمذكر في اللغة العربية أكثر من المؤنث، وكذلك ضمائر المخاطبة للمذكر أكثر منها للمؤنث.

  سادساً: التقليد الأعمى للاتجاهات الجنسية الغربية المتطرفة …
سابعاً: رفع المسؤولية عن الشواذ جنسياً وإظهارهم بثوب الضحية التي جنى عليها المجتمع، وهذه محاولة قديمة تتشح بثوب العلمية أحياناً وتأتزر بلباس بعض الأبحاث المغرضة – التي ترى أنّ هناك سبباً فسيولوجياً في تركيب الدماغ يسبب الشذوذ- أحياناً أخرى، وكِلا القولين مردود، ذلك أنه لا أحد ينكر أن هناك عوامل مختلفة تؤثر وربما تدعو إلى الشذوذ، لكن كما يقول د. ستيفن أر. كوفي: “بين المؤثر والاستجابة توجد مساحة رحبة مِن حرية الاختيار”، وهذه هي المسؤولية التي يحاسب العبد بموجبها، وينتفي الحساب بانتفائها كما في حالة المجنون والصبي ونحوه.] المرأة المسلمة والتحديات الغربية للدكتور صالح الرقب.

   ما دمنا قد علمنا ماذا تعني كلمة “جندر” فقد أصبح لدينا مؤشر حول عنوان “غزة من مفهوم جندري” لكننا ما نزال بحاجة الى إيضاحات وتفسيرات حقيقية لهذا العنوان ولمسألة ” تقاطع الإبادة الجماعية في غزة مع واقع الاحتلال والهيمنة الأبوية وكيف تتجلى المقاومة النسوية في مواجهة هذه البنُى”، نحن وكل شعلنا بحاجة لتفسير ذلك، خاصة والأمر يُعنى ببقعة جغرافية هي الأصغر في العالم التي تحمل هذه الكثافة السكانية، والأكثر تعرضا للإبادة الجماعية، بل إنها الحرب التي لم يشهد لها العالم مثيلا من حيث القسوة والقتل والتجويع، حتى أن كمية الذخيرة والنار التي أُلقيت عليها لم يشهدها العالم أبدا، ورغم ذلك كان صمودها الأسطوري المعروف، فهل جاء دور من يريد أن يعمل على هدمها من الداخل بعد أن فشلت كل قوى الاستعمار والتخاذل على هدمها من الخارج.
إن الدفع باتجاه تغيير أنماط الحياة، وإحلال تغييرات في البنى الأساسية للمجتمعات الإسلامية، ليس جديدا، ومن أجله أقيمت عشرات الجمعيات من “النسويين” والنسويات وجمعيات الشذوذ الأخلاقي والجنسي وخُصصت من أجل ذلك ميزانيات رهيبة جدا لا يتصورها أحدكم وفُرغ لهذه الغاية موظفون حيث يتعدى عددهم في الجمعية الواحدة 50 موظفا.

    تعالوا بنا نقرأ أحد بنود خطة ترامب المكونة من 21 بندا لوقف الحرب على غزة الذي يقول :” إطلاق برامج لتفكيك الفكر المتطرف.” علما أن مصطلحات الفكر المتطرف والإرهاب يُتعمد إطلاقهما بشكل عام دونما أي تعريف ويُقصد بهما الإسلام ومفاهيمه وثوابته.

     إن الداعمين للجمعيات المختلفة هم أنفسهم الداعمون بمختلف الأسلحة للاحتلال خلال وقبل وبعد الحرب على غزة، وربما يكون هدم القيم والمجتمعات أكثر تأثيرا وأهمية من هدم المساكن والبنايات، فهذه تعوض خلال مدة قصيرة، وتلك بحاجة لأزمان ودهور من أجل إعادة الناس إلى بنيانهم الاجتماعي القويم والمتين الذي يمنع اختراق الأوطان.

   وحتى بعد كل ما ذكرت أعلاه نبقى بحاجة لتوضيح وشرح من المؤسسات النسوية المعنية حول المقصود بـ :”غزة من مفهوم جندري” و ” تقاطع الإبادة الجماعية في غزة مع واقع الاحتلال والهيمنة الأبوية وكيف تتجلى المقاومة النسوية في مواجهة هذه البنُى”

” و”المجتمع الذكوري” و “المجتمع الابوي” و “الجنسانية” وغيرها من المصطلحات التي بات البعض يكررها ويرددها دون أن يفهم معناها، وبالتأكيد يبقى تعريف هذه المصطلحات من مسؤولية الجمعيات النسوية عساها تزيل الغبش عنها…. بالانتظار.

من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو rwaqmedia@gmail.com حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)

بصائر الخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *