جنود إسرائيليون: دمرنا مناطق صناعية وسكنية بغزة دون مبررات واضحة، ومنظمة حقوقية إسرائيلية: هذا “تطهير عرقي”

واشنطن بوست| تل أبيب – أفاد جنود إسرائيليون خدموا في قطاع غزة خلال الأشهر الأولى من الحرب بأنهم شاركوا في هدم ممنهج للمباني والحقول الزراعية بهدف إنشاء منطقة عازلة واسعة النطاق داخل أراضي القطاع، وفقًا لتقرير جديد صادر عن منظمة حقوقية إسرائيلية.
وبحسب شهادات الجنود، التي شملت ضابطًا برتبة رائد شارك في اجتماعات التخطيط للمنطقة العازلة، فإن هذه العمليات نُفذت دون وجود مبررات واضحة أو فورية على الأرض، وهو ما اعتبره خبراء قانونيون انتهاكًا محتملاً للقانون الدولي.

التقرير الذي نشرته منظمة “كسر الصمت” – وهي مجموعة رقابية مؤلفة من جنود احتياط سابقين في الجيش الإسرائيلي – يكشف عن لمحة نادرة من الداخل حول دوافع وسلوك الجيش الإسرائيلي خلال تنفيذ أوامر قال الجنود إنها هدفت إلى تسوية مناطق واسعة بالأرض، بمتوسط عرض نصف ميل (حوالي 800 متر)، داخل أراضي غزة، في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023.
الجيش لم يعلق رسميًا… والضباط يبررون أمنياً
لم يصدر جيش الدفاع الإسرائيلي تعليقًا رسميًا على التقرير أو على مسألة “المنطقة العازلة”، لكن قادة ميدانيين أبلغوا الجنود بأن إخلاء المناطق القريبة من السياج الحدودي – لا سيما تلك التي توفر “خط رؤية” مباشر إلى داخل إسرائيل – يُعد خطوة ضرورية لمنع تكرار هجمات مشابهة لتلك التي وقعت في أكتوبر، عندما اقتحم مقاتلو حماس السياج الحدودي وشنوا الهجوم داخل الأراضي الإسرائيلية.
تدمير أحياء كاملة ومحاصيل ومرافق حيوية
لكن التقرير يذهب أبعد من ذلك، موضحًا أن ما جرى هو جهد منهجي ومدروس لتدمير أحياء سكنية ومناطق صناعية وزراعية تقع على امتداد حدود القطاع. ويؤكد أن هذه المناطق تُعد “ضرورية للنسيج اليومي للحياة في غزة”، مشيرًا إلى أن الهدف – والنتيجة – كان مضاعفة نطاق المنطقة العازلة الموجودة أصلاً، وتوسيعها بعمق أكبر داخل قطاع لا تتجاوز مساحته 25 ميلاً طولاً وستة أميال عرضًا في المتوسط.

وفي الوقت نفسه، تتزامن هذه الشهادات مع توسيع الجيش الإسرائيلي مجددًا عملياته البرية داخل القطاع. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد صرّح الأسبوع الماضي أن الجيش يخطط “للسيطرة على مناطق واسعة ستُضاف إلى مناطق الحزام الأمني”، بينما أصدر الجيش مزيدًا من أوامر الإخلاء، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إنشاء “ممر عسكري جديد” بالقرب من رفح جنوب القطاع، قائلًا: “نحن نقسّم القطاع إلى أجزاء، ونصعّد الضغط خطوة بخطوة.”
الجيش يسيطر على 30% من غزة… وتدمير بعد السيطرة
وبحسب تقرير نُشر الخميس في صحيفة معاريف الإسرائيلية، فإن الجيش الإسرائيلي يوسّع فعليًا نطاق سيطرته، ويحتل الآن ما يقرب من 30% من أراضي غزة.
من جانبه، قال يؤئيل كارمل – جندي سابق في الجيش الإسرائيلي ومدير الحملات في منظمة “كسر الصمت” – إن الأساليب الموصوفة في التقرير قد تشكل نموذجًا لما يخطط الجيش لتنفيذه في المراحل المقبلة، مع الاستمرار في الاستيلاء على مزيد من الأراضي.
ويُضيف التقرير: “خلافًا لما يحدث في معظم مناطق القتال، فإن تدمير البنية التحتية والمباني في المنطقة الحدودية كان يتم أحيانًا بعد السيطرة على المنطقة بالكامل، ودون وجود تهديد فوري أو فعلي للقوات.”
يعتمد التقرير الصادر عن منظمة “كسر الصمت” الإسرائيلية على شهادات نحو 12 جنديًا خدموا في المناطق الحدودية لقطاع غزة بين أكتوبر 2023 وأغسطس 2024، إلى جانب ضابط تواجد في غرفة العمليات خلال مرحلة التخطيط لإنشاء المنطقة العازلة. وقد تم حجب أسماء المشاركين في التقرير حفاظًا على سلامتهم، فيما تحدث اثنان من الجنود بشكل مباشر إلى صحيفة واشنطن بوست ومراسلين آخرين بشرط عدم الكشف عن هويتهما، نظرًا لحساسية المعلومات العسكرية.
هندسة قتالية وجرافات ومتفجرات: أكثر من 3,500 مبنى دُمّر عمدًا
وفقًا للشهادات، تم إدخال وحدات الهندسة القتالية التابعة للجيش الإسرائيلي إلى المناطق الحدودية شمال وشرق القطاع في بداية الحرب، حيث أُعطيت أوامر واضحة بـهدم أكثر من 3,500 مبنى باستخدام المتفجرات أو الجرافات.
الجنود أضافوا أنهم قاموا أيضًا بتجريف البساتين والحقول الزراعية، التي كانت تُستخدم سابقًا من قِبل الفلسطينيين لزراعة القمح والشعير والزيتون واللوز والفراولة والحمضيات.
روتين يومي للتدمير: “سبعة منازل يوميًا”
أحد الجنود، وهو رقيب احتياط، وصف كيف بدأت وحدته منذ أواخر أكتوبر 2023 تتلقى مهام شبه يومية لتفجير ما تبقى من المنازل في إحدى مدن شمال غزة.

قال في شهادته: “كنا نبدأ يومنا صباحًا. كل فصيلة تتلقى تعليمات تتضمن خمس أو ست أو سبع مواقع – عادة سبعة منازل – يُطلب منا تدميرها”.
كانت الوحدات تتسلّم شحنات من المتفجرات، بما في ذلك ألغام مضادة للدروع وألغام لاصقة، وتقوم بزرعها في الأبنية المستهدفة. بعد ذلك، تنسحب القوات إلى مسافة آمنة، وتُفجّر عددًا من المنازل دفعة واحدة.
مشهد خراب شامل على امتداد الأفق
في تقرير ميداني الأسبوع الماضي، رصد مراسلو واشنطن بوست من داخل جنوب إسرائيل صفوفًا من الأبنية المسطّحة بالكامل تمتد على طول الحافة الشرقية لمدينة غزة، وتتواصل شمالًا نحو جباليا وبيت حانون.
المشهد – بحسب المراسلين – كان خرابًا صامتًا لا يقطعه سوى أصوات مدفعية متقطعة تُطلقها دبابات إسرائيلية من الشمال.
خلف سواتر ترابية طويلة أقيمت على بُعد مئات الأمتار من السياج الحدودي، كانت تتراكم أكوام من المعدن والخرسانة – وهي، وفقًا لخرائط “غوغل”، ما تبقّى من منطقة صناعية كاملة كانت قائمة في تلك المنطقة.
جنود احتياط إسرائيليون: عمليات تدمير منهجية لمناطق صناعية وسكنية دون مبررات واضحة — وتحذيرات من “تطهير عرقي” محتمل
كشف رقيب أول في لواء مشاة، خدم في شمال قطاع غزة أواخر عام 2023، أنه شارك ضمن وحدة أوكلت إليها حماية وحدات الهندسة القتالية أثناء قيامها بتدمير المباني الصناعية هناك.
قال: “كنا نُرافق المهندسين القتاليين بينما يقومون بتدمير المنشآت، مبنى تلو الآخر، بطريقة منهجية للغاية”.
يتذكر الرقيب مشهد “جبال من الزجاج المهشم” حيث كانت توجد في السابق مصنع كوكاكولا.
مبررات غامضة وتدمير “مفرط”
بحسب شهادات الجنود، لم تكن الأوامر التي تلقوها لتجريف وتدمير هذه المناطق مصحوبة بتبريرات واضحة دائمًا. التفسير الأكثر شيوعًا، بحسب الضباط، هو أن الإبقاء على المباني قرب الحدود يشكل خطرًا أمنيًا لأن مقاتلي حماس قد يستخدمونها للاختباء أو تخزين السلاح أو شن هجمات.
لكن هذا التبرير لم يكن كافيًا لرقيب الهندسة القتالية، الذي قال: “يمكنك المجادلة بأنك بحاجة لتفريغ غزة من السكان لضمان أمن إسرائيل، أو أن كل شيء يجب أن يُسوّى بالأرض. لكن، هل هذا التدمير مبرَّر ومتناسب مع مستوى التهديد؟”
تجاوز الخط الأحمر
الأستاذ عادل حق، المتخصص في القانون الدولي بجامعة روتغرز، أوضح أن القانون الإنساني الدولي “يحظر تدمير الممتلكات المدنية من قبل قوة احتلال إلا إذا كان ذلك ضروريًا حتميًا لأغراض عسكرية”، وأضاف: “هذا الشرط لم يتحقق هنا”.
وأشار أيضًا إلى أن الأراضي الزراعية تحظى بحماية إضافية في القانون الدولي لأنها ضرورية لبقاء السكان المدنيين. كما أكد أن نقل المدنيين قسرًا أمر غير قانوني، وأن أي إخلاء يجب أن يكون مؤقتًا. وإذا كان دائمًا، تقول منظمة “كسر الصمت”، فإن “من الصعب وصف ذلك بشيء آخر غير التطهير العرقي”.
لا أثر لحماس على الأرض
قال رقيب المشاة إنه خلال مشاركته في تدمير المنطقة الصناعية، قيل له إن الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر انطلق من هناك. لكن في الميدان، بحسب تعبيره: “لم نواجه حماس هناك – لم نجد أي دليل على وجودها”.
قدّر الجندي أن قيمة المرافق الصناعية التي تم تدميرها تُقدّر بـمليارات الدولارات، مضيفًا: “لقد كان تدميرًا مفرطًا، أكثر من اللازم”.

في المقابل، قال رقيب الهندسة القتالية إن الضباط أخبروهم أن منزلين أو ثلاثة فقط من بين العشرات التي دمروها كانت تعود لمقاتلي حماس، مضيفًا: “في معظم الأحيان، لم يكونوا يقدمون أي تبرير”.
وقال إن وحدته عثرت على دلائل على نشاط مسلح في حالات نادرة جدًا، مثل وجود قنابل يدوية في سيارة، أو مداخل أنفاق.
تعليمات إطلاق النار: “الجميع مشتبه به”
أشار عدد من الجنود في شهاداتهم إلى أن قواعد الاشتباك لم تكن واضحة في ما يتعلق بالأشخاص الذين يظهرون داخل المنطقة العازلة.
قال بعضهم إنهم تلقوا تعليمات بـإطلاق النار على أي شخص يدخل المنطقة. لكن لم تكن هناك علامات ميدانية تحدد بدقة أين تبدأ هذه المنطقة، التي تتراوح مساحتها بين 800 متر إلى 1.6 كيلومتر في بعض المواقع.
وقال نقيب في سلاح المدرعات، خدم في جنوب غزة خلال أكتوبر ونوفمبر 2023، ضمن التقرير: “لم يكن أحد يهتم إن كان من نطلق عليهم النار مدنيين أو مقاتلين. قررنا خطًا افتراضيًا وقلنا إن أي شخص يتجاوزه هو مشبوه. لكنني لست متأكدًا إن كان الفلسطينيون يعرفون أين يقع هذا الخط”.
خبراء قانون: هذه الأوامر غير قانونية
علق إلياف ليبليش، أستاذ القانون الدولي في جامعة تل أبيب، قائلًا إن هذه التعليمات “غير قانونية”، مضيفًا: “يجب على الأطراف التمييز بين المدنيين والمقاتلين في جميع الأوقات، ويجب أن يكون هذا التمييز مبنيًا على تقييم ملموس، وليس على افتراض أن كل شخص في منطقة معينة هو مقاتل”.
رد الخارجية الإسرائيلية: نلتزم بالقانون الدولي
في بيان مطوّل نشرته وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقعها في ديسمبر 2023، في ذروة عمليات تسوية محيط غزة، قالت إن الجيش الإسرائيلي ملتزم بالقانون الدولي وبتقليل الضرر على المدنيين.
وجاء في البيان: “من أجل التحذير المسبق الفعّال وتقليل الأضرار على المدنيين، يشجّع الجيش الإسرائيلي المدنيين على الإخلاء المؤقت من مناطق القتال الكثيف ومن أهداف محددة”.
عامٌ مضى على بدء عمليات التجريف… وإسرائيل لا تُظهر أي نية للانسحاب — والأراضي الزراعية المُدمَّرة تُهدد الاكتفاء الذاتي في غزة
بعد مرور أكثر من عام على بدء العمليات، لا تُظهر إسرائيل أي مؤشر على الانسحاب من المنطقة العازلة التي أقامتها داخل حدود قطاع غزة. أما الفلسطينيون الذين كانوا يعيشون أو يعملون أو يزرعون هناك، فلا يزال يُمنع عليهم العودة.

يقول جويل كارميل، الجندي السابق في الجيش الإسرائيلي ومدير المناصرة في منظمة “كسر الصمت”، إن الدمار الواسع، لا سيما في الأراضي الزراعية، ستكون له تبعات طويلة المدى على قدرة غزة على الاعتماد على نفسها.
ويضيف: “نتحدث هنا عن تدمير كامل لنحو 35% من الأراضي الزراعية في غزة. وهذا يعني أن احتمالات أن يعتمد السكان الفلسطينيون في القطاع على أنفسهم تتضاءل بشدة”.
“لم أرَ مزرعتي مجددًا”… مزارع الفراولة الذي طُحنت أرضه بالجرافات
من بين ضحايا عمليات التجريف التي صاحبت توسيع المنطقة العازلة، كان محمود الشافعي، مزارع من بيت لاهيا يبلغ من العمر 42 عامًا وأبٌ لأربعة أطفال.
في الأيام التي سبقت هجوم حماس في 7 أكتوبر، كان الشافعي قد أنهى لتوّه زراعة شتلات الفراولة في مزرعته.
يقول إنه في صباح ذلك اليوم، كان في طريقه إلى المزرعة عندما سمع دويّ الصواريخ، فعاد أدراجه.
خلال الحرب، تنقّل مع عائلته أكثر من مرة، واعتمد على المساعدات الإنسانية وبعض الأعمال المؤقتة للبقاء على قيد الحياة، كما قال لصحيفة واشنطن بوست.
لكنه لم يرَ مزرعته مجددًا. وعندما زارها أصدقاؤه خلال الهدنة المؤقتة في نوفمبر 2023، أخبروه أن المكان قد سُوّي بالأرض تمامًا بفعل الجرافات.
ساهم في إعداد هذا التقرير: حازم بلوشة من تورونتو، وليئور سوروكا من تل أبيب.
المصدر: واشنطن بوست
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو rwaqmedia@gmail.com حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)