آخر الأخبارمحلية

أكثر من 200 قتيل عربي منذ بداية العام: الدولة تترك العرب في إسرائيل فريسة للجريمة المنظمة

خاص – رواق

يشهد المجتمع العربي داخل إسرائيل خلال عام 2025 استمرارا خطيرا لموجة العنف التي حصدت مئات الأرواح في السنوات الأخيرة، دون أن تظهر مؤشرات حقيقية على انحسارها؛ فحتى 14 تشرين الأول/أكتوبر 2025، تجاوز عدد القتلى العرب 200 ضحية، بعدما أضيف إلى القائمة صباح اليوم الشاب علي وائل عواودة (22 عاما) من كفر كنا الذي قتل رميا بالرصاص فجرا.

هذا الرقم يجعل عام 2025 واحدا من أكثر الأعوام دموية في تاريخ المواطنين العرب داخل إسرائيل، بعد أن سجل في 2023 نحو 244 قتيلا، وفي 2024 حوالي 230 قتيلا وفق معطيات مركز أمان.

منذ مطلع العام، كانت الإشارات الأولى مقلقة للغاية، فمع نهاية مارس، تجاوز عدد القتلى الخمسين، بينما سجل يوليو وأغسطس سلسلة من عمليات الاغتيال وحوادث إطلاق النار شبه اليومية، خصوصا في المثلث والجليل والنقب.

حملة إنفاذ ضد شركة حراسة ونظافة من الشمال، للاشتباه بتورط عناصر إجرامية في إدارتها وتشغيل حراس دون تأهيل قانوني – تصوير الشرطة

وقد أكد تقرير نشره موقع تايمز أوف إسرائيل في أغسطس أن العنف في المدن العربية يتصاعد بوتيرة لم تشهدها إسرائيل منذ سنوات، وأن كثيرا من القتلى من فئة الشباب دون الثلاثين عاما.

ورغم الحملات الحكومية المكثفة والتصريحات السياسية حول “خطة وطنية شاملة لمكافحة الجريمة”، إلا أن الواقع الميداني يظهر أن الدماء لم تتوقف؛ فكلما أعلن عن حملة اعتقالات أو مصادرة أسلحة، سرعان ما تشهد بلدات أخرى جريمة جديدة.

 

جذور الأزمة ما بين العصابات وفقدان الثقة

تحولت الجريمة في المجتمع العربي من ظاهرة اجتماعية إلى بنية موازية داخل المجتمع، تديرها شبكات محلية عائلية تمتلك السلاح والمال والنفوذ، حيث تشير تقارير FDD إلى أن الجريمة المنظمة في البلدات العربية باتت تشكل “اقتصاد ظل” يعتمد على عمليات الابتزاز (الخاوات) وفرض السيطرة على المشاريع البلدية والمقاولات.

هذه العصابات تنشط في مناطق محددة مثل الجليل والمثلث والنقب، وتستخدم شبكات من الشباب العاطلين عن العمل مقابل مبالغ مالية صغيرة لتنفيذ أعمال عنف أو تهديدات.

أما السبب الأعمق فهو فقدان الثقة التاريخي بين المواطنين العرب والشرطة الإسرائيلية، فبحسب الباحثين، تتعامل كثير من العائلات العربية مع أجهزة الشرطة بعدم ثقة يصل إلى حد القطيعة، نتيجة سنوات من الإهمال، وضعف الاستجابة، وتدني معدلات حل الجرائم.

كما تشير بيانات غير رسمية إلى أن نسبة الكشف عن جرائم القتل في المجتمع العربي لا تتجاوز 25%، مقابل أكثر من 70% في المجتمع اليهودي.

ويقول مراقبون إن هذا التفاوت ينزع الشرعية عن مؤسسات إنفاذ القانون في أعين المواطنين العرب، ويمنح العصابات هامش حركة أكبر.

من ناحية أخرى، أسهمت الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في تعزيز الظاهرة، فالبطالة المرتفعة، ونقص الفرص في التعليم المهني، وضعف الخدمات العامة في القرى والمدن العربية، تجعل الشباب فريسة سهلة لتجنيد العصابات.

وفي ظل غياب بنية دعم مجتمعي فعالة، أصبحت الجريمة وسيلة للبقاء، بينما يغدو العنف لغة النفوذ والهيمنة في عدد من المدن العربية.

 

العنف الأسري والنساء في قلب المأساة

على الرغم من أن النقاش العام حول الجريمة في المجتمع العربي يركز عادة على جرائم العصابات والقتل بالرصاص، فإن العنف الأسري ضد النساء يشكل وجها آخر أكثر صمتا وألما.

وبحسب بيانات من ذا جيروزاليم بوست وتقارير الشرطة الإسرائيلية، فإن نحو نصف النساء المقتولات في إسرائيل منذ مطلع العام 2025 هن من أصول عربية، وفي معظم الحالات، يكون الجاني قريبا للضحية؛ زوجا أو أخا أو أحد أفراد العائلة.

تتحدث منظمات نسوية عربية مثل “جمعية نساء ضد العنف” عن فشل الدولة في توفير حماية فعالة للنساء المهددات، ففي عدد من القضايا التي وثقتها وسائل الإعلام، كانت الضحية قد قدمت شكاوى سابقة للشرطة لكنها لم تحصل على حماية كافية.

ويكشف هذا النمط عن ثغرة مزدوجة تتمثل في غياب منظومة حماية فعالة داخل الأسرة، وضعف الأجهزة الرسمية في التدخل قبل وقوع الجريمة، وقد أشارت يديعوت أحرونوت في تقرير لها إلى أن: “النساء العربيات لسن آمنات في الشوارع، ولا في منازلهن أيضًا، ولا يستطعن ​​تأمين مستقبل أطفالهن، وهذه القضية يفضل المجتمع والدولة تجاهلها”.

 

آثار الجريمة على النسيج الاجتماعي والاقتصادي

إن الجريمة في البلدات العربية ليست قضية أمنية فقط، بل أصبحت قضية وجودية تمس البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع العربي برمته، فانتشار ظاهرة “الخاوات” جعل من قطاع البناء والمقاولات ساحة ابتزاز ممنهج، حيث يفرض المسلحون “ضريبة حماية” على المقاولين المحليين.

وبحسب تحقيق نشرته صحيفة ذي ماركر، الملحق الاقتصادي لصحيفة هآرتس، فإن العصابات الإجرامية تسلّلت إلى قطاع البناء والمقاولات، وبدأت في فرض سيطرتها على مناقصات عامة من خلال التهديد والابتزاز المالي. وأوضح التقرير أن مقاولين في بلدات عربية شمالية انسحبوا من مشاريع بنية تحتية بسبب تلقيهم تهديدات مباشرة.

وفي تقرير آخر نشرته الصحيفة نفسها، ورد أن المجالس المحلية العربية تواجه صعوبة متزايدة في تنفيذ مشاريع عامة لأن العصابات تفرض على الشركات المتقدّمة للمناقصات “ضرائب حماية”، مما يدفعها إلى الانسحاب أو رفع الأسعار بشكل كبير.

كما بثت قناة كان الإسرائيلية تقريرا تناول قضية استغلال العصابات للمناقصات العامة في البلدات العربية، وبحسب التقرير، نفذت الشرطة حملة اعتقالات في عدة مناطق عربية استهدفت أشخاصا متهمين بابتزاز مقاولين وتهديدهم لإجبارهم على دفع أموال مقابل السماح لهم بالعمل في مشاريع بنية تحتية.

وفي تقرير سابق للقناة ذاتها أكد ضابط شرطة محلي أن “الكثير من المشاريع العامة في القرى العربية لا تتقدم لأن المقاولين يخافون من التعرّض للتهديد أو إطلاق النار”.

ويكشف ذلك أن العنف الاقتصادي أصبح الوجه الآخر للعنف المسلح في المجتمع العربي داخل إسرائيل، وأن الخوف من الانتقام عطل فعليا عشرات المشاريع، وأجبر سلطات محلية على تجميد مناقصات أو رفع ميزانياتها لتغطية “تكاليف الحماية”.

 

أكتوبر 2025… مشهد بلا نهاية قريبة

مع حلول 14 تشرين الأول/أكتوبر 2025، تبدو الصورة أكثر قتامة مما كانت عليه في بداية العام، فعلى الرغم من الوعود الحكومية، ما تزال البلدات العربية تغرق في موجة عنف مستمرة، بلا مؤشرات حقيقية على تراجعها.

يتزايد القتلى أسبوعيا، كما أصبحت مشاهد الجنازات جزءا من المشهد اليومي، وفي المقابل، يشعر المواطنون العرب أن الدولة لم تتعامل مع الأزمة كقضية وطنية عاجلة، بل كظاهرة هامشية محصورة في مجتمع أقلية.

وفي ظل هذه الفوضى، لا تبدو بوادر الحل قريبة، خصوصا في ظل غياب استراتيجية متكاملة تعالج الجوانب الأمنية والاجتماعية والاقتصادية معا.

اليوم، يواجه المجتمع العربي في إسرائيل تحديا وجوديا حقيقيا: إما أن ينجح في كسر حلقة العنف عبر مبادرات ذاتية وتكاتف داخلي، أو أن يستمر في دوامة نزيف لا ينتهي، يتوارثها جيل بعد جيل.

وبينما تزداد أرقام القتلى عاما بعد عام، تزداد أيضا الأسئلة التي بلا إجابات: من المستفيد من استمرار الفوضى؟ ولماذا لا تترجم الخطط الأمنية إلى أمان فعلي في الشوارع؟

 

 

 

من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو rwaqmedia@gmail.com حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)

بصائر الخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *