آخر الأخباراسرائيليةمحلية

حرب على الرفوف: كيف تُدار سوق الخضار والفواكه في إسرائيل من خلف الستار… ولماذا يواصل المستهلك دفع الثمن؟

تشهد سوق الخضار والفواكه في إسرائيل واحدة من أكثر المعارك الاقتصادية احتدامًا، رغم أن المستهلك يراها في ظاهرها سوقًا بسيطة ومفتوحة. فخلف كل كيلوغرام من الطماطم أو الخيار أو التفاح تختبئ منظومة تجارية ضخمة ورابحة تُعد من الأكثر تركّزًا في البلاد، تتحكم فيها ثلاثة لاعبين كبار يسيطرون على سلاسل التوريد، يحددون الأسعار، ويؤثرون على توفر المنتجات، فيما يبقى المستهلك والمنتج المحلي مجرد طرفين ضعيفين في معادلة القوة.

ورغم أن انتشار البقالات والأسواق البلدية يوحي بحيوية القطاع وتنوعه، إلا أن الواقع يكشف عن هيمنة واضحة لعدد محدود من الشركات التي تتحكم في مراكز التبريد، واللوجستيات، واتفاقيات التوريد مع شبكات البيع الكبرى. وهذا الاحتكار العملي يؤدي إلى اختلافات مصطنعة في الأسعار بين الشبكات، رغم أن معظمها يعتمد على نفس المورد المركزي.

في قلب المشهد تقف شركة “بيخوري سديه – الجنوب”، التابعة لعائلة شِبع، وهي أكبر لاعب في سوق التوريد وتدير عشرات آلاف الأطنان من المنتجات الطازجة. أي تغيير بسيط في شروط التوريد لديها ينعكس فورًا على السوق بأكمله. وإلى جانبها تعمل “بيخوري سديه – الشمال”، وهي شركة مستقلة تهيمن على مناطق واسعة في الشمال والشرق وتحدد بدورها توفر السلع ومستوى الأسعار في قطاعات متعددة.

وفي السنوات الأخيرة برز لاعب جديد هو دودو عزرا، الذي انتقل من إدارة أقسام المنتجات الطازجة في شبكات الغذاء إلى تأسيس سلسلة “سوق هرتسل” بعد تحويلها من بقالات إلى متاجر تجارية كاملة. ورغم حجمه الأصغر، فقد أحدث دخولُه تحريكًا بالمشهد، خصوصًا في منطقة الوسط.

أما شبكات البيع الكبرى، فتُعد جزءًا أساسيًا من مشكلة غياب المنافسة. إذ تعتمد معظمها على مورد واحد فقط للسلع الطازجة، ما يجعل السعر النهائي للمستهلك خاضعًا لسياسة التسعير الداخلية لكل شبكة وليس لتنافس حقيقي بين الموردين. وهكذا قد تُباع نفس الطماطم في شبكة ما ضمن “عرض دائم”، بينما تعرضها شبكة أخرى بسعر أعلى بكثير.

إحدى الخطوات التي حاولت كسر هذا الاحتكار جاءت من شبكة شوبرسال، التي أنشأت مركز إنتاج وفرز وتوزيع خاصًا بها، في محاولة لفصل جزئي عن الموردين الكبار. ورغم أن المركز الجديد منح الشبكة قدرة أكبر على التحكم بالجودة والأسعار، إلا أنه لم يُلغِ هيمنة اللاعب الأكبر في السوق.

ورغم عشر سنوات من الوعود الحكومية—فتح باب الاستيراد، تقليل الرسوم الجمركية، وزيادة المنافسة—لم يشعر المستهلك بتغيير حقيقي. فالتخفيضات الأولية اختفت سريعًا، بينما حافظ السوق على بنيته الاحتكارية. الحقول تشتكي من سعر شراء لا يعكس كلفة الإنتاج، والمستهلك يشتكي من أسعار مرتفعة بلا مبرر.

ورغم الطابع العاطفي الذي يربط الجمهور بالفواكه والخضار باعتبارها “منتج الأرض”، فإنها في الحقيقة نتاج صناعة محكمة تدار بعقود ومفاوضات وشبكات لوجستية مُحكمة. المسار من الحقل إلى الرف مليء بمحطات ترفع السعر وتُخضع المزارع والمستهلك لقوة المركزيات المسيطرة.

المشهد يزداد تعقيدًا مع دخول الموردين الكبار إلى مجال البيع المباشر للجمهور. “بيخوري سديه” تستثمر عبر سلسلة “سوق هعير”، فيما عزرا وسّع سلسلة “سوق هرتسل”، في خطوة تعكس إدراك اللاعبين الكبار بأن السيطرة على القطاع لن تكتمل دون التأثير المباشر على تجربة الشراء والسعر النهائي.

كما يشكل التعاون بين رامي ليفي و”بيخوري سديه – الجنوب” ضمن مشروع “بيخوري هشكمه” مثالًا على التحالفات الجديدة التي تغيّر قواعد اللعبة: مسار أقصر من الحقل إلى الرف، قوة تفاوضية أكبر، وقدرة أعلى على التحكم بالأسعار.

ومع ذلك، ورغم مؤشرات التغيير—منصات شراء مباشرة من المزارعين، ارتفاع الوعي الاستهلاكي، توسع البيع الإلكتروني—يبقى جوهر المشكلة على حاله: اعتماد شبكات الغذاء على مورد مركزي واحد، وهيمنة ثلاثة لاعبين كبار على السوق بأكمله.

وفي ظل ذلك، يستمر المستهلك الإسرائيلي بدفع ثمن مرتفع لا يعكس الواقع الزراعي، فيما يواصل المزارعون التذمر من فجوة آخذة بالاتساع بينهم وبين سعر السوق. وبينما تشدّ الأسواق أنظار الجمهور بألوانها وروائحها، تخفي وراءها واحدة من أكثر المنظومات الاقتصادية إحكامًا في إسرائيل—حيث السؤال الحقيقي لم يعد: “أين نمت الطماطم؟”، بل: “من يتحكم بها قبل وصولها إلى الرف؟”

المصدر: والا العبري

من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو rwaqmedia@gmail.com حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)

بصائر الخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *