تحليل والا الشامل لطلب العفو: رسالة نتنياهو إلى الرئيس ليست طلب عفو… بل ابتزاز بالتهديد
قيل الكثير عن بنيامين نتنياهو عبر السنوات: هناك من اعتبره عبقريًا، وهناك من رآه فاسدًا، وهناك من نظر إليه كأنه “المسيح بن داود”، وآخرون رأوا فيه كاذبًا (أو حتى “كاذب ابن كاذب”، كما وصفه وزير المالية في حكومته).
ومع ذلك، ورغم أن مشاعر الناس تجاهه تشمل تقريبًا كل طيف العواطف البشرية، فإن قلة قليلة من بين مؤيديه أو خصومه ظنوا يومًا أنه غير عاقل. العكس تمامًا: حتى من نسبوا إليه نوايا شريرة، اعتقدوا دائمًا أن كل شيء مخطط لديه بدقة متناهية.
لكن طلب العفو الذي قدمه نتنياهو نجح في إحداث صدمة، وربما حتى في إثارة شكوك لا تتعلق فقط بقدرته على مواصلة تولي منصب رئيس الحكومة، بل حتى بقدرته على المثول للمحاكمة أصلا. الرجل يبدو مقتنعًا فعلًا بأنه “هبة إلهية للبشرية”.
ماذا يقول لنا نتنياهو؟ “أطلقوا سراحي لكي أستطيع مواصلة قيادتكم إلى الأمام”. لا توجد مرآة أوضح من ذلك لحالته النفسية: رجل يرى نفسه مخلّص الشعب الإسرائيلي، إيمان يتعاظم كلما تراكمت الإخفاقات على الأرض.
وفي السنتين الأخيرتين – ويا للأسف – كلما تراكمت الجثث: جثث قتلى 7 أكتوبر الذين قتلوا بأيدي من غذاهم نتنياهو بـ“حقائب الأموال”، وجثث جنود الجيش الإسرائيلي الذين اضطروا للقتال ضد عدو متحصن ومزود جيدا نتيجة التمويل الذي سمح به نتنياهو، رغم التحذيرات بأن تلك الأموال تُستخدم لبناء بنية تحتية إرهابية.
وليس ذلك فقط، بل أيضًا في شوارع إسرائيل التي تحصد ثمنا دمويا غير مسبوق، وفي المستشفيات التي تعمل على حافة الانهيار وتمنح أولوية لأصحاب المال كي تبقى واقفة. قد تقولون إن هذين البندين الأخيرين ليسا خطأ نتنياهو؟ حسنًا، لقد تعلمنا منه شخصيًا أنه في إسرائيل “لا يوجد مسؤول ولا مذنب سوى رئيس الحكومة” — بكلماته هو بالضبط.
ويمكن إضافة المزيد: منظومة تعليم لا تتعدى كونها جهاز مراقبة للأطفال (وأحيانًا حتى هذا لا توفره)، أطراف بعيدة تزداد ابتعادًا عن المركز بدل أن تقترب منه، خدمات رفاه اجتماعي في حالة انهيار، وغير ذلك الكثير.
ليس أن كل هذه الأنظمة كانت تعمل بشكل ممتاز قبل انتخاب نتنياهو، منذ زمن لا أحد يذكره (نحو 30 عامًا إجمالًا، حوالي 18 سنة فعليا)، لكن تقريبًا جميعها شهدت تراجعًا، خصوصًا في السنوات الأخيرة، وبالأخص خلال العقد الماضي، حيث نشأ التعارض الخطير بين مصالح دولة إسرائيل ومصالح من كان رئيس حكومتها طوال تلك الفترة تقريبًا.
ولا مفر من الافتراض أن طلب العفو الغريب (إن كان يمكن أصلا تسميته “طلب عفو”) يدل على يقين فيما يسمى “بيئة نتنياهو” بأن المعركة القانونية التي يخوضها تتجه إلى خسارة. كيف نعرف ذلك؟ لأن نتنياهو، كنهج ثابت، يهاجم دائمًا الهدف الأقرب إليه.
بدأ ذلك مع الشرطة التي أوضح لها أنه “لم يكن هناك شيء”، وعندما صيغت التوصية بتقديمه للمحاكمة، شرح لكل من استمع إليه أن “أكثر من نصف هذه التوصيات تُلقى في القمامة” (بعد أن أضاف تقليدًا مهينًا للصحفي المخضرم موشيه نوسباوم). وكان ذلك في فترة اعتقد فيها نتنياهو أن المستشار القضائي للحكومة آنذاك، أفيحاي مندلبليت، سيغلق التحقيق دون تقديم لائحة اتهام.
وعندما لم يحدث ذلك، انتقل نتنياهو إلى مهاجمة النيابة بتهمة “تفصيل ملفات”، ثم نقل هجماته منها إلى الجهاز القضائي كله. حقيقة أنه يهاجم الآن مكتب الرئيس تدل على أنه أدرك أن كل محاولاته لإرهاب الجهاز القضائي — محاولات بلغت ذروتها في تشريعات مزّقت المجتمع الإسرائيلي (والآن بات واضحًا، حتى لمن لم يصدق في البداية، أنها كانت جميعًا موجهة نحو هدف واحد) — قد فشلت.
وهو يدرك أيضًا أن حتى المحكمة المركزية التي تدير محاكمته قد ضاقت ذرعًا بمناوراته لتأجيل الإجراءات، وهو الذي كان متحمسًا لإثبات براءته (“ثماني سنوات وأنا أنتظر أن تظهر الحقيقة”، قال عشية بدء المحاكمة)، قبل أن يبدأ في المماطلة وإثارة أحداث سياسية وأمنية “عاجلة” لتأجيل جلسات الشهادة أو تقليصها.
نحن جميعًا رهائن
وخرج خيط آخر من الكيس: نتنياهو اختطف دولة إسرائيل كرهينة، بحيث يستطيع في اللحظة الحاسمة وضع السكين على رقبتها وتهديد ممثلي القانون المحيطين به من كل الجهات: “خطوة واحدة أخرى منكم وسأفعل…”.
فماذا يقول فعليا؟ إنه لا يطلب عفوًا لأنه اعترف بخطورة أفعاله، ولا أنه ذهب “إلى كانوسا” مثل الإمبراطور هنري الرابع الذي انتظر عفو البابا في القرن الحادي عشر، ولا أنه يعتذر أو يندم أو يطلب أن يُترك لشأنه ليتفرغ لحياته الخاصة بدلًا من حفر علامات على جدران زنزانته.
لا، نتنياهو يرسل هنا تهديدًا مبطنًا بأنه من الأفضل منحه العفو لكي لا تتضرر دولة إسرائيل: “خفض مستوى اللهيب”، على حد تعبيره — مصطلح مخفف لكنه واضح. طلب مغفرة؟ أقرب إلى “تفجير مقايضة”.
وقد هاجم الكثيرون (وبحق!) وسائل الإعلام التي استضافت رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، وهو مدان جنائيا، كي يعلق على قضايا مماثلة. وها هو نتنياهو ينجح بجعل أولمرت يبدو جيدًا مقارنة به: فأولمرت، على الأقل، قاتل من أجل روايته أمام المحكمة. انتصر (وبشكل كبير) في المحكمة الأولى، خسر في المحكمة العليا — بل وقضى فترة سجن فعلية.
كان ذلك محرجًا لدولة إسرائيل — رؤية رئيس وزراء سابق ببدلة برتقالية بدلًا من بدلة رسمية — لكنه كان أكثر احترامًا من شخص يطلب وقف اللعبة بعد أن حاول تغيير قوانينها، ورغم ذلك أدرك أنه خاسر.
إن إظهار نتنياهو في طلبه هذا بوادر ما يمكن تفسيره على أنه انفصال عن الواقع لا يعني أن الطلب يخلو من منطق، فلا شك لدى أحد أن “بوغي هرتسوغ” عُيّن لمنصبه الرفيع، بدعم حماسي من نتنياهو، تحديدًا من أجل هذه اللحظة التي يُطلب منه فيها منح العفو لرئيس الحكومة.
ويمكن معرفة الكثير عن نتنياهو من أولئك الذين كانوا قريبين منه في الماضي. أحدهم، شريكه السابق الذي أصبح خصمه اللدود، أفيغدور ليبرمان، شبّه مرارًا وتكرارًا الدعم الأعمى لنتنياهو بـ”السباتية”، أي الانجراف وراء “مسيح كاذب” مع تجاهل مطلق لكل إشارات التحذير على الطريق.
وفي القرن السابع عشر، كان مصير “المسحاء الكاذبين” (وأتباعهم) أن يعتنقوا الإسلام. أمّا في القرن الحادي والعشرين، فهم يأملون في كسب مزيد من الوقت عبر طلب عفو.
المصدر: والا العبري
من المهم التنويه أن موقع رِواق يحترم حقوق النشر ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المنشورات او الصور ومقاطع الفيديو أو غيره مما يصل الينا، وفي حال أنكم وجدتم أن لكم صورة او فيديو او منشورا تمتلكون حقوقا فيه، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة أو rwaqmedia@gmail.com حسب قانون 27 أ(סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים)



